فما أنا في طول الحياة براغب .. إذا قيل قد سوى عليها صفيحها
شيئ ما دفعني لكتابة هذا .. والبحث في أعماقه .. سطور
لو قرأها غيري لاستحى من الحب !
أن تكون كلمة الحب فراغاً نمتلئ به متى شئنا ! هذه الحروف في صميم كل من جعل الحب وسيلة تتدثر بها مشاعره ويسكن بها قلبه .. لمن جعل الحب كلمة افتراضية .. رمى بها في سماء الإفتراض فسقطت في قلب حبيبته الإفتراضية .. لمن ضغط على حروف اللوحة الجامدة معبراً بها عن مدى عشقه وجنونه .. أقول لكم هذه الحروف لعلكم تعقلون .. فأنتم في غفلة من الحب !
بداية من آدم وحواء
الحديث الشريف يذكر أن آدم حين دخل الجنة استوحش وحدته في جنة الله والتي كل منا يعمل لينال رضى الله فتكون هذه سكنه وجزاء عمله .. ورغم ذلك الا انا آدم لم يهنا بالعيش وحيدا شعر أنه محتاج لحواء،وهذا الكلام ليس من الخيال لكنه من حديث النبيصلى الله عليه وسلم فبينما هو نائم اذ خلق الله من ضلعه حواء. فاستيقظ فرآها بجواره
قال: من أنت؟؟..
قالت: امرأة
قال: ما اسمك؟؟
قالت: حواء
قال: ولما خلقت؟؟
قالت: لتسكن الي..
وروي ان الملائكة سألت آدم عليه السلام :
قالت : أتحبها ياآدم ؟
قال : نعم
قالوا لحواء: أتحبينه ياحواء
قالت : لا
وكان في قلبها اضعاف مافي قلبه من حبه.
فقالوا : فلو صدقت أمرأة في حبها لزوجها لصدقت حواء..
قصة سيدنا ابراهيم وزوجته سارة
فقد كان يحبها حباً شديداً حتى أنه عاش معها ثمانين عاماً وهي لا تنجب ، لكنه من أجل حبه لا يريد أن يتزوج عليها أبداً ولم يتزوج من السيدة هاجر(أم اسماعيل) إلا حين طلبت منه سارة ذلك ، وأصرت على أن يتزوج حتى ينجب..
ثمانين عاما لا يريد أن يؤذي مشاعر زوجته ،ثم بعد أن تزوج هاجر وأنجبت اسماعيل غارت سارة وهذه هي طبيعة المرأه- فرغبت ألا تعيش مع هاجر في مكان واحد .. فوافق ابراهيم عليه السلام وأخذ هاجر وابنه الرضيع اسماعيل الى مكان بعيد إرضاءً لزوجته الحبيبة امتثالا ايضا لكلام الله سبحانه ..
قصة الحب العذري .. الجملة التي تتردد في أذهان الكثير ..
عرفت قبيلة عذرة فى أيام بني أمية بهذا اللون من الحب، ونسب إليها،
واشتهرت به وبكثرة عشاقها المتيمين الصادقين في حبهم،
المخلصين لمحبوباتهم، الذين يستبد بهم الحب، ويشتد بهم الوجد، ويسيطر عليهم الحرمان،
حتى يصل بهم إلى درجة من الضنى والهزال كانت تفضي بهم في أكثر الأحيان إلى الموت،
دون أن يغير هذا كله من قوة عواطفهم وثباتها، أو يضعف من إخلاصهم ووفائهم، أو يدفعهم إلى السلو والنسيان.
وقديماً قال رجل منهم : “لقد تركت بالحي ثلاثين قد خامرهم السل وما بهم داء إلا الحب”
.
وسئل آخر : “ممن أنت؟” فقال : “من قوم إذا أحبوا ماتوا”، فقالت جارية سمعته : “عذري ورب الكعبة”.
وليس من السهل أن نحدد تماماً الأسباب التي جعلت هذه القبيلة تشتهر بهذا اللون من الحب ليصبح ظاهرة اجتماعية تعرف بها وتنسب إليها،
وإن يكن القدماء قد حاولوا رد هذا إلى رقة قلوبهم وجمال نسائهم.
سئل أعرابي منهم : “ما بال قلوبكم كأنهم قلوب طير تنماث كما ينماث الملح! أما تجلدون ؟
فقال : إنا لننظر إلى محاجر أعين لا تنظرون إليها”.
وقيل لآخر : ” يا هذا بحق أقول إنكم أرق الناس قلوباً”.
ويقول ابن قتيبة : “والجمال في عذرة والعشق كثير”.
الحب العذرى ليس وقفاً عليها دون غيرها من القبائل، ولكنه لون من الحب عرفته البادية العربية مع غيره من ألوان الحب المختلفة مرده الأساسى إلى المزاج الشخصي الذي يدفع بعض الناس إلى اللهو والمجون والشرك في الحب، كما يدفع بعضهم إلى الوفاء والإخلاص والتوحيد فيه، ثم إلى طبيعة الظروف التي تحيط بالعاشق أتدفعه إلى اللهو والعبث أم ترده إلى الطهر والعفاف؟
سأوجز القصص الأخرى .. فلهذا الحديث مجلدات .. ولا تسع الكتابة هنا .
نأتي لأقدم قصة في التاريخ .. ” عروة والعفراء”
كان عروة يعيش في بيت عمه والد عفراء بعد وفاة أبيه، وتربيا مع بعض وأحبا بعضهما وهما صبيان.
فقد ربط الحب بين القلبين الصغيرين منذ طفولتهما المبكرة، وشب مع شبابهما.
فلما شب عروة تمنى عروة أن يتوج الزواج قصة حبهما الطاهرة، ووقف المال عقبة في طريق العاشقين، فقد غالت أسرة عفراء في المهر، وعجز عروة عن القيام به.
فذهب يضرب في الأرض لعل الحياة تقبل عليه فيعود بمهر عفراء.
فى أرض الوطن يخبره عمه أن عفراء قد ماتت، ويريه قبراً جديداً ويقول له إنه قبرها.
وتتحطم آمال عروة، وينهار كل ما كان يبنيه لأيامه المقبلة، وترتبط حياته بهذا القبر، يبثه آلامه، ويندب حظه،
ويبكي حبه الضائع ومأساته الحزينة، ويذيب نفسه فوق أحجاره حسرات ودموعاً،
فقد فقد حبيبته ورفيقة صباه. ثم تكون مفاجأة لم يكن يتوقعها، أن عفراء لم تمت ولكنها تزوجت
فمضى يهجو عمه الذي خدعه مرتين
يا عم يا ذا الغدر لازلت ** مبتلي حليفا لهم لازم وهوان
غدرت وكان الغدر منك سجية ** فألزمت قلبي دائم الخفقان
وأورثتني غما وكربا وحسرة ** وأورثت عيني دائم الهملان
فلازلت ذا شوق إلى من هويته ** وقلبك مقسوم بكل مكان
ونزل عروة إلى الشام وتزوج عفراء وفي أرض عذرة التي شهدت رمالها السطور الأولى من قصة حبه، تكون الأدواء والأسقام في استقباله.
فقد ساءت حال عروة، واشتد عليه الضنى، وأخذه مرض السل حتى لم يبقي منه شيئ، وعجز الطب عن علاجه
.
لم يجد عروة إلا شعره يفزع إليه ليبثه آلامه وأحزانه
تحملت من عفراء ما ليس لي به ** ولا للجبال الراسيات يدان
كأن قطاة علقت بجناحها ** على كبدي من شدة الخفقان
جعلت لعراف اليمامة حكمه ** وعراف نجد إن هما شفياني
فقالا: نعم نشفي من الداء كله ** وقاما مع العواد يبتدران
فما تركا من رقية يعلمانها ** ولا سلوة إلا وقد سقيانى
وما شفيا الداء الذي بي كله ** ولا ذخرا نصحا ولا ألواني
فقالا: شفاك الله، والله مالنا ** بما ضمنت منك الضلوع يدان
فويلي على عفراء ويلا كأنه ** على الصدر والأحشاء حد سنان
ظل عروة يهذي باسم عفراء ويحادث طيفها حتى وافته المنية.
بلغ الخبر لعفراء ظلت تندبه وتبكيه وامتنعت عن الطعام والشراب حتى لحقت به بعد فترة وجيزة، ودفن في قبر بجواره .
ومن القبرين نبتت شجرتان غريبتان لم ير الناس مثلهما من قبل، ظلتا تنموان وتلتف إحداهما على الأخرى، تحقيقا لأمل قديم حالت الحياة دون تحقيقه، وأبى الموت إلا أن يحققه.
هذه هى أقدم قصة وصلت إلينا من قصص الحب العذري في العصر الأموي، وهي تمثل المعالم الأساسية، والملامح المميزة، لكل قصص الحب العذري
هكذا الحب حتى آخر نفس ..
وآخر وجع .. وآخر دمع على قبر الحبيب
قيس وليلى ..
للأسف تذكرني بالذي قرأته عندي بحثي عنهما .. لو يعلم الناس أن في الحب موت لما استهزؤ به هكذا .. وأضحكو الآخرين عليه
المجنون هو قيس بن الملوح العامرى ابن عم ليلى.
حدثت هذه القصة في صدر الإسلام ، في القرن الأول الهجرى،
في وقت كانت البادية العربية تعيش في عزلة نسبية .
بدأت قصتهما كما تبدأ أكثر قصص الحب فى البادية في المرعى، يقول قيس :
تعلقت بليلى وهي ذات ذؤابة ** ولم يبد للأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم، ياليت أننا ** إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم
لقد جاء الإسلام فرفع منزلة المرأة العربية فلم تعد واحدة من أساليب اللهو التي اعتاد عليها البدوي ليحقق وجوده الضائع في الصحراء المترامية الأطراف إلى جانب الخمر والميسر.
، فالتقاليد تحجبها داخل خيمتها، لا تخرج منها إلا بصحبة حارسة، وللضرورة .
اشتد هيام قيس،
واشتهر أمره في الحي، وتداولت الألسنة قصة حبه.
تقدم قيس إلى عمه طالباً الزواج من ابنته ليلى ، وبدلا من أن يفرح العم ويرحب، إذا به يرفض، ويصر على الرفض .. لماذا ؟
لأن التقاليد تمنع العرب من الموافقة على زواج ابنته من رجل تشبب بها أي تغزل فيها في شعره !
ولا يجد سوى شعره مرة أخرى ينفس فيه ما تفيض به نفسه من حزن وشجن، وحيرة واضطراب، وضيق وسخط.
يقول :
فأنت التي إن شئت أشقيت عيشتي ** وإن شئت بعد الله أنعمت باليا
وأنت التي ما من صديق ولا عدا ** يرى نضو ما أبقيت إلا رثى ليا
إذا سرت في الأرض الفضاء رأيتني ** أصانع رحلي أن يميل حياليا
يمينا إذا كانت يمينا، وإن تكن ** شمالا يناز عني الهوى عن شماليا
أعد الليالي ليلة بعد ليلة ** وقد عشت دهراً لا أعد اللياليا
أرانى إذا صليت يممت نحوها ** بوجهي وإن كان المصلى ورائيا
وما بي إشراك، ولكن حبها ** كمثل الشجا أعيا الطبيب المداويا
أحب من الأسماء ما وافق اسمها ** وأشبهه أو كان منه مدانيا
هي السحر إلا أن للسحر رقية ** وأني لا ألفي لها الدهر راقيا
ويقول أيضا مصورا الصراع بين اليأس الذي يميته، والأمل الذي يحييه:
ألقى من اليأس تارات فتقتلني ** وللرجاء بشاشات فتحييني
ويقول مصورا السخط الذي تنوء به نفسه الحزينة المتمردة:
خليلي، لا والله لا أملك الذي ** قضى الله في ليلي ولا ما قضى ليا
قضاها لغيرى، وابتلاني بحبها ** فهلا بشئ غير ليلى ابتلانيا
ظل قيس في صحرائه غريباً مستوحشاً مشردا لم تبق منه إلا بقية من جسد هزيل،
إنها النتيجة الطبيعية لهذا الصراع الدائب المتصل الذي لا يهدأ ولا يستقر.
أسقام وأدواء وأوجاع وعلل تهجم على العاشق المسكين، فينوء تحت وطأتها جسده الذي أهزله الضنى
فالموت فعلا راحة لكل حي.
يقولون : إن قيساً كان يغمى عليه كلما ذكر اسم ليلى، سواء كان الحديث عنها بمكروه أو بخير فهو يغشى عليه بمجرد سماعه اسمها !
وفي أواخر أيامه حكي عن قيس أنه عاش مع الوحش فأنس إليه وفضله على بني الإنسان، وأن الوحوش أيضاً صارت تأنس إليه ! فقلوبهم رقت لحاله، بينما ظلت قلوب أهله كالحجر الذي لم يتفتت ولم يذب لسماع أشعار قيس الرائعة.
وأسدل الستار على مأساة أخرى من مآسي الحب العذري.
وفي انتظار قصة من نفس النوع وغير بعيدة في الزمن ولا في الحداث عن هذه.
تكفي هذه على قلوبكم .. وتكفي على قلبي .. فقرأت ما يكفي من الحب حتى كاد قلبي يبكي ..
فقلوبنا ليست كقلوب أهل قيس .. لا تشعر ولا تنظر ولا تدمع ..
قلوبنا تنطوي حزناً وتدمع ألماً على مصاب الأحبة .. ونحن نقرء فقط .. !
نكمل فيما بعد فهناك المزيد لقصص الحب والحزن وقصائد العشق والشوق
.. لا تسرفو في الدمع والوجد ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق